شرق اوسط جديد برؤية وطنية لا أمريكية
مع تزايد الاحتجاجات الشعبية في مختلف محافظات جمهورية مصر مطالبة برحيل مبارك عن رأس الحكم بعد اكثر من عقدين من الزمن شكل فيها مبارك ذلك الزعيم الذي لا يقهر ، الا انه يبدو بانه يعد في ايامه الاخيرة كرئيس لجمهورية مصر العربية مع استمرار الاحتجاجات التي كلفت مصر اكثر من 4 مليارات دولار في 4 ايام من هذه الثورة الشعبية التي اشعلها محمد البوعزيزة بعد ان حرق نفسه على بعد مئات الاميال تحديدا في تونس ليساهم بذلك بازالة النظام التونسي المستبد وهروب رأس الافعى هناك الا وهو زين العابدين بن علي حيث تم تغيير تونس وقلبها رأسا على عقب لتمتد بعد ذلك الثورات الشعبية الى مصر والجزائر واليمن والاردن للمطالبة باحداث اصلاحات جوهرية في انظمة الحكم هناك .
لقد شكك البعض في قدرة الشعب التونسي على تحقيق اهدافه مطالبا الجماهير بالعزوف عن اشعال الفوضى متخوفا من اعمال عنف او سلب وتخريب للمتلكات العامة او فلتان امني او سياسي يسهم في تخريب البلد , الا ان تونس بشعبها المقدام اكدت لكل العالم انه اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر وحققت مرادها وقطعت رؤوس الفتنة والفساد والخيانة واصبح الشعب يشعر انه ولاول مرة صاحبا لقراره .
بعد تونس ظهرت علينا مصر ونزل الشعب موحدا كل طاقاته مغيبا كل اختلافاته والفروق التي كانت تشكل عقدة لهم في الاعوام الاخيرة حيث لا فرق بين مسلم او قبطي ولا بين شيوعي او اسلامي ولا فقير يسكن الاحياء الشعبية او غني يقطن في افخم مناطق مصر ولا فرق ايضا بين اهلاوي او زملكاوي لانهم كلهم اليوم يجتمعون تحت علم مصر بشعار واحد ( فليسقط مبارك ) .
وبعد اشتداد حدة المواجهات بين الجماهير الغاضبة وقوى الامن التابعة لوزارة الداخلية المصرية التي كانت تشكل مصدر قمع وقهر لكل المصريين على مدى التاريخ المصري الحديث فشلت قوى الامن الداخلي ان تكبح جماح المتظاهرين وان تمنعهم من الاستمرار في التظاهر رغم استخدامها لكل وسائل القمع مخلفة بذلك عشرات القتلى والجرحى اضافة لمئات المعتقلين , وها هو مبارك يطل علينا ليلة امس بلهجة جديدة يعد فيه ابنائه ان يجري اصلاحات جوهرية لتحسين الوضع الاقتصادي والسياسي في البلد وكانت اولى خطواته اقالة الحكومة الحالية على امل ان يحقق بذلك انجازا صعبا وان يوقف مد الاحتجاجات التي كلفته ومصر غاليا وقد تكلفه لاحقا اغلى ما يملك ... رئاسة الجمهورية .
بعد ذلك عين عمر سليمان مدير المخايرات العامة نائبا اولا له لكي يبدد مخاوف الشعب من التوريث المحتمل للحكم الا ان ذلك كله لم يخفف من غضب المصريين الذين لا يطالبون باقل من سقوط مبارك عن رأس الحكم .
انها ارادة الشعب وانها المقاومة الشعبية التي حققت لجنوب افريقيا والهند ولمناطق عديدة حول العالم ما لم تستطع تحقيقه الدبابات والطائرات والقنابل , انه الشعب المصري العظيم ليس عظيما لان مبارك وصفه بالعظيم بل لانه عظيم بارادته وقوة وصلابة مواقفه ولا يسعني في ظل هذا الموقف المهيب الا ان اقول لكم عاشت مصر صلبة قوية وستبقى مصر وستعود اقوى من ذي قبل ابية على الظلم وسيعود الجندي المصري حاملا سلاحه موجها بندقيته صوب الظلم الحقيقي .
انها التحولات العظيمة التي ستقلب موازين المنطقة رأسا على عقب والتي ستؤسس لبناء شرق اوسط جديد هذه المرة ليست من وجهة نظر امريكية بل بارادة شعبية عربية نابعة من حب الوطن والانتماء لقضاياه .