تميمي برس - منذ بدات احداث قرية النبي صالح قبل اكثر من ثمانية اشهر بمواجهات عنيفة ان لم تكن الاعنف على مستوى الضفة الغربية بين جنود الاحتلال من جهة واهالي قرية النبي صالح من جهة اخرى حين انطلق اهالي القريتين الى منطقة واد ريا التي سيطرت عليها عصابات المستوطنين الصهاينة بحماية من الجيش , نحن الان بحاجة الى تقييم وتحليل ودراسة ايجابيات هذه الحالة النضالية والعمل على تطويرها ونحتاج ايضا الى الاجابة عن سؤال يتردد في اذهان الكثيرين . الى اين ؟؟؟
لسنا بحاجة الى ابراز هذه الحالة وتقييمها لنصل في النهاية الى مفترق طرق وبين خيارين اثنين لا ثالث لهما , الاستمرار او التوقف ... لا , ليس هكذا !!! بل على العكس تماما , تجربة النبي صالح التي لا يزيد عدد سكانها عن 550 نسمة اي اقل من حي واحد في بلدة عزون جنوب الخليل على سبيل المثال . بل ان النبي صالح التي وبدون اي مبالغة لم تعهد الضفة الغربية مثيلا لها في صلابة القلب وحس التحدي وقوة الارتباط بالارض والايمان بالقضية , ولا احد ينكر ذلك ... ومن يتجرا على الانكار !!! فها هي احلام التميمي ,,, تلك الفلسطينية الباسلة التي اوجعت قلوب الصهاينة وفي العمق ايضا ولم يمنعها قرار قاضي المحكمة الصهيونية الذي اصدر بحقها قرارا بالسجن اكثر من 100 سنة !!! لا بل الى حد يصل الالف سنة كدليل على ان الاحتلال تالم من هذه الفلسطينية الصامدة والتي تتلمذت على تراب فلسطين وتحت زيتون النبي صالح ,,,لم يمنعها قرار هذا القاضي من ان تقول في تلك المحكمة لهم ,,, لا اندم على قتل الاسرائيليين لان اطفالكم ليسوا افضل من اطفال غزة وجنين , ولعل ما قام به كل من احمد , نزار , وسعيد حين قتلوا (مزراحي) ذلك المستوطن الجبان لدليل ايضا على ان شبان هذه القرية عشقوا قوة القلب وامنوا بقضية قدموا لاجلها الغالي والرخيص , ويكفيني ايضا ان اقول وبلهجة تحدي ... لن تجدوا في النبي صالح من يعمل في المستوطنات او في اسرائيل حتى لو انقطع الغذاء عن هذه القرية 100 سنة .
الماضي هام , لكني بصدد الحديث وبشكل مطول عن الحاضر والمستقبل , وساطرح رؤيتي وبواقعية كبيرة , صحيح ان من سلبيات فعاليات النبي صالح على سبيل المثال ان عشرات المنازل تحطمت شبابيكها بفعل قنابل الغاز , وصحيح ايضا , ان اسرائيل اعتقلت وتعتقل يوميا خيرة شباب القرية ومن يشاركهم من القرى المجاورة نضالهم ضد الاحتلال , ولا انكر انه في كل اسبوع يصاب العشرات في مواجهات تزداد عنفا في كل اسبوع جديد , ولكن اود ان ادخل في ايجابيات هذه الحالة اللامستقلة واللابعيدة عن كل فلسطيني يعيش تقريبا مثل ما تعيشه النبي صالح من معاناة والم والعكس صحيح .
هذه الايجابيات التي تعمد البعض الابتعاد عنها واثر انتقاء اخطاء الغير وتكبير سوئاتهم لا تتوقف عند اي حد , فبسيطها بالنسبة لي كمتابع لهذا الشان كبير والغير ملموس في الوقت الحالي ستظهر نتائجه على الافق في وقت لاحق وسيثبت الدهر لنا ذلك , باعتقادي ان اطفال النبي صالح الذين كانوا قبل عام من الان اي قبل انطلاق الفعالية , كانوا يناقشون فيما بينهم احداث مسلسلات الدراما التركية التي غزت بلداننا العربية عموما وفلسطين على وجه الخصوص , كانها حمى انتقلت بين الناس ولا علاج لها , هؤلاء الاطفال الذين لم اكن استطيع النوم في وقت وانا استمع لهم وهم ينادون بعضهم ... انت يا مهند ... اين هي نور ؟؟؟ او فتى يسال اخر ما الذي حدث يوم امس ,, هل وجد يحيى حبيبته لميس !! والجديد ميرنا وخليل وغيرها من المسلسلات التي لا تحمل من معاني الحياة اي معنى , ها هم نفسهم هؤلاء الاطفال اصحوا على صوتهم صباحا وهم يرددون هتافات الموت لاسرائيل . ونعم للمقاومة , وغيرها من الهتافات التي اخذوها عن هذه الحالة النضالية .
برايي الشخصي المتواضع هذا هو انتصار , لان تحسين القيم والاخلاق وتعظيم ثقة الطفل او الشاب بنفسه وجعله يشعر بالمسؤولية الوطنية وبالحس الثوري هذا كله انتصار طيب على معادلات اسرائيل ومخططاتها الهادفة لافقاد الفلسطيني قوته وافراغه من محتواه والغاء ثقته بنفسه , لا يراها البعض لكني اراها عظيمة جدا .
اذا تجربة المقاومة الشعبية بغض النظر عما يحدث من مساويء واخطاء طبيعية هي تجربة ناجحة وتعيد احياء الامل في قلوب وعقول اناس اصابهم الياس والاحباط والضعف , وهذا بالمناسبة اكثر شيء يخيف اسرائيل , ذلك الكيان الذي يثق انه في حالة تضعضع وتوتر الى يوم يبعثون .
لكني بحاجة الى توجيه بعض الانتقادات اللاذعة لبعض الجهات التي تقصر في القيام بدورها الملقى على عاتقها وطنيا ودينيا واخلاقيا , اول هذه الجهات هي السلطة الفلسطينية التي فتحت قبل ايام بيت عزاء في مشروع التسوية والسلام بعد ان قتلته اسرائيل بدم بارد وقتلت معه كل المساعي لانعاشه واسعافه ولو في الرمق الاخير حتى بعد مجيء الطبيبة هيلاري بنفسها التي تمثل راس الدبلوماسية الامريكية الى الاراضي الفلسطينية في محاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه من مشروع هتك تحت جنازير الدبابات والجرافات الاسرائيلية , اعود للسلطة الفلسطينية واسالها , ما البديل ؟ على لسان كثير من وزراء هذه السلطة وقادتها وحتى على لسان رئيس الحكومة الفلسطينية د- سلام فياض سمعتها بنفسي حين قال ندعم المقاومة السلمية . لا اعرف لم استبدل كلمة السلمية ووضعها مكان الشعبية . لا يهم .. المهم ان القيادة الفلسطينية مع هذا النوع من المقاومة الذي كفلته لنا الشرائع الانسانية كحق مظلوم بالدفاع عن نفسه بالطرق المشروعة , اذا هو عدم وضوح لا اعرف ان كان مقصودا او لم يكن , لكنه يضع المواطن الفلسطيني في حالة من الشك والريب , حتى اني قرات قبل ايام على موقع صحيفة هارتس الاليكتروني مقالا بهذا الشان , حيث تتسائل الصحيفة حوا موقف السلطة من هذا الموضوع وتقول صراحة ان حكومة رام الله تدعم المقاومة الشعبية بالكلمات وتضيق عليها بالافعال . اعتقد ان على السلطة ان تضع حدا لهذا الشك وتوضح موقفها وبسرعة من هذا الشان .
وبالعودة الى قائمة المنتقدين فاني اهاجم تلك الفصائل الفلسطينية التي اصبحت خالية من اقل الاشياء والاساسيات , اي المباديء التي وجدت لاجلها , هذه الفصائل بما فيها حماس اقنعت نفسها على ما يبدو ان طريق المقاومة المسلحة لم تعد تجدي في ظل هذه المتغيرات الدولية وسارت بمبادئها الثورية والكفاحية والجهادية الى مستودعاتها واغلقت عليها الباب , لعلها تحتاجها في وقت لاحق الا ان هذا الوقت لم يعد مناسبا لها , وبالعودة للمقاومة الشعبية فانا على ثقة تامة ان التنظيمات الفلسطينية غائبة عن الحدث بمجمله ولا تتعامل معه بالشكل المطلوب .
الطرف الثالث على قائمة المتهمين بالتقصير هي مؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات الاهلية واللاربحية والاعلامية التي ابتعدت بنفسها عن هذه الحالة وكان الامر لا يعنيها بشيء تنتقي منه ما تريد وتحذف ما يتعارض مع مصالحهم ومطالب الممولين هنا وهناك .
وللاسف انا اقف الان على دفة السفينة , ولا ارى على مرمى عيني بوادر يابسة ولو كانت مجرد جزيرة نتشبث بها للحظات وناخذ عليها قسطا من الراحة من تعب قضية هي الاصعب في التاريخ والاسوأ حول العالم , وساختم بالخيارات التي ترددت كثيرا في الاونة الاخيرة واقول .. وما الحب الا للحبيب الاول ... وانا حبيبتي الاولى والاخيرة اسمها مقاومة وستعيش في قلبي للابد .
بقلم محمد عطاالله التميمي